من الأسباب الأخرى التي يراها الأستاذ أوريد مسوّغة لاستعمال الحرف اللاتيني بدل تيفيناغ قوله إن هذا الأخير يشكّل «حاجزا نفسيا» لغير الناطقين بالأمازيغية.
ـ لماذا سيشكّل تيفيناغ “حاجزا نفسيا” لغير الناطقين بالأمازيغية؟ قد يرجع ذلك إلى كونه حرفا غريبا عليهم، لأنه جديد لم يسبق أن استعملوه ولا ألِفوه، عكس الحرف اللاتيني الواسع الانتشار بالمغرب، والذي هو حرف معروف، أنسُوه وتعوّدوا على مشاهدته واستعماله. إذا كانت “غرابة” تيفيناغ، بسبب جدّنه ولكونه حرفا غير معروف ولا مستعمل، هي ما قد يفسّر أفضلية الحرف اللاتيني على الحرف الأمازيغي، فلماذا ستخصّ تلك “الغرابة” فقط غير الناطقين بالأمازيغية؟ أليس معظم الناطقين بها هم أيضا يجهلون تيفيناغ لكونه حرفا جديدا عليهم، لم يسبق أن تعلّموه في المدرسة، ولا استعملوه ولا مارسوا به القراءة والكتابة؟ ليس هناك إذن أي مبرر، منطقي ولا واقعي، للتمييز بين الناطقين وغير الناطقين بالأمازيغية في علاقتهم بتيفناغ.
ـ ثم إذا كان هذا الاستدلال، على أفضلية الحرف اللاتيني، صحيحا، فهو أصحّ بالنسبة للحرف العربي الأكثر انتشارا ورواجا واستعمالا وألْفَة ومشاهدة. وتطبيقا لمنطق “الحاجز النفسي”، فيجب إذن اختيار الحرف العربي، وليس اللاتيني، لكتابة الأمازيغية. فهذه الحجة التي يلجأ إليها الأستاذ أوريد وغيره من المدافعين عن اختيار الحرف اللاتيني، هي نفس الحجة، الأهم والأقوى، التي يستند إليها التعريبيون في دفاعهم عن اختيار الحرف العربي لكتابة الأمازيغية. هكذا يخدم منطق “الحاجز النفسي” منطق المدافعين عن الحرف العربي، دون أن ينتبه أصحاب الحرف اللاتيني إلى هذا التناقض الذي يقعون فيه، ولا إلى هذه الخدمة التي يقدّمونها للمدافعين عن الحرف العربي لكتابة الأمازيغية.
ـ وحتى إذا صحّ وجود هذا “الحاجز النفسي” الذي لا يشجّع غير الناطقين بالأمازيغية على تعلّمها، فسيكون السؤال هو: ولمَ يكون الحرف هو الذي يشكّل «حاجزا نفسيا» لغير الناطقين بالأمازيغية؟ ألا يمكن أن يكون جهلهم بالأمازيغية هو “الحاجز النفسي” الحقيقي الذي لا يشجّعهم على تعلّمها؟ وبالتالي ألا يكون نفورهم المفترض من حرف تيفيناغ هو نفور من الأمازيغية نفسها وليس من حرفها تيفيناغ؟ وفي هذه الحالة فإن استعمال أي حرف لكتابة الأمازيغية لن يجعلهم يحبّونها ويقبلون على تعلّمها. والحلّ الوحيد هو التدريس الإجباري للأمازيغية كلغة رسمية ووطنية لجميع التلاميذ في سن التمدرس، بدءا من التعليم الابتدائي، حتى لا تشكّل، هي ولا حرفها تيفيناغ، “حاجزا نفسيا” لهم على غرار آبائهم. وبعد ثلاثة أجيال (حولي 45 سنة) من المغاربة الذين يكونون قد درسوا وتعلّموا الأمازيغية في المدرسة على غرار العربية والفرنسية، سوف لن يبقى هناك مغاربة تشكّل الأمازيغية وحرفها تيفناغ “حاجزا نفسيا” بالنسبة لهم يمنعهم من تعلّمها، لأن الجميع يكون قد درسها وتعلمها ويمارس كتابتها بحرفها تيفيناغ. فالناس أعداء ما يجهلون، كما يُنسب ذلك لعي بن أبي طالب.
… hespress.com