عطفا على تدوينة “نحن الملقحون”… و في وعد للحديث عن غير الملقحين… أكتب هذه التدوينة و تساؤلي هو كيف سنقنع المغاربة بالتلقيح بالجرعة الثالثة و قد فشلنا في إقناع الآلاف من المغاربة للتلقيح بالجرعة الأولى و الثانية؟
وفي البداية يجب أن أعترف بأن غير الملقحين المغاربة ليسوا أبدا بجاهلين و لا أنانيين بل هم فقط مترددون في اتخاذ القرارات الطبية لأن هذه الخيارات غالبًا ما تكون معقدة و تمسنا في وجودنا و كينونتنا… و بأني أؤمن إيمانا راسخا بثقافة الاختلاف وبأنها ليست بالضرورة ظاهرة غير سليمة… لأن الإجماع ليس حتما ظاهرة صحية…. والنقد في كثير من الأحيان أجدى و أنفع… و يجب أن نقر أن غير الملقحين مواطنون سواسية كالملقحين في حب الله و الوطن و الملك. و بأن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يترددون في تلقي اللقاح لا يلتزمون بقضية معادية للعلم و ليس لديهم أجندة خفية سياسية و لا مؤامرتيه… و لكنهم ببساطة مترددين في اختيارهم لأخذ الحقنة من عدمه… وأن كورونا كانت فاجعة أتت بإكراهات لا تنتهي و زادت من تدافعاتنا السابقة بشحنة نفسية قاصمة… و بما أننا نعيش في حالة استعجالية و نفسية متدهورة… يصعب التواصل بيننا مما جعلنا، نحن ذوي الاختصاص، لا نوفق في إقناعهم بالتلقيح… فيا ترى ما أسباب هذا الإخفاق… وعلاش مقدرناش نتواصلوا معكم بسهولة…
و عموما يفشل الشخص في التواصل عندما يكون الموضوع شائكا، أو المخَاطِب غير متمكن من أدوات التواصل أو يجهل هوية المخَاطَب الذي يحاول التواصل معه… فما بالك إذا كانت كل هاته المعيقات مجتمعة… و هذا هو واقع حال التواصل اللقاحي كما سأفصله…
ما أصعب بيداغوجية التواصل الصحي…
تعتبر بيداغوجية التواصل الصحي من أصعب البيداغوجيات الموجهة إلى الساكنة العامة… فبالفعل يمكنك أن تناقش و بسلاسة ميادين متعددة كالرياضة و السياسة و الفن… و يصعب هذا كلما تعلق الأمر بالأمور الصحية و الطبية لأنها تعتمد في تبيانها على كثير من المعطيات الفنية و التقنية… و هنا تلعب الثقة دورا كبيرا بين المخَاطِب و المخَاطَب… لأننا نتكلم عن صحة الإنسان و وجوده كمخلوق بشري… و هذه ثقافة جديدة نؤسس لها من خلال تبسيط المعطيات و تتطلب منك كمختص التواضع بأفكارك لإيصالها للجمهور العريض و حتى يتفهمك و يهضمها المواطن العادي… و للأسف فهذا التسويق الاجتماعي التحسيسي يتطلب مهارات لا يكتسبها كل أصحاب الاختصاص و مدبري الأمر العمومي… و هنا يجب أن نعترف…
نعم… لقد كان التواصل المؤسساتي ضعيفا
بالفعل لا يمكن إقناع الناس إلا بفتح قنوات النقاش… و استعمال طرق تواصلية ناجعة… و ليس فقط ببيانات للوزارة الوصية… لم يؤثث لها من قبل و غالبا ما تفتح الباب على مصراعيه لتأويلات متعددة و متناقضة… و لا سيما أن البعض يرى اللقاح كإكراه… و نحن نعرف أن الفرد يكره الإكراه… و يطلب و يطالب بالشفافية و الأرقام و المعطيات قبل قبول أي قرار فوقي… أتفق معكم بأن إصدار بلاغ دون مقدمات لا يمكن اعتباره تواصلا بالمرة… و لا سيما إذا لم يكن دقيقا و لم يؤسس له مسبقا… و غالبا ما يأتي بعد ذلك بلاغ لرفع اللبس … الذي غالبا ما يزيد من اللبس… فنفقد بهذا التواصل الملتبس بعضا من مصداقيتنا و من ثقة العامة فينا… و حلها يا من وحلتيها بعد ذلك… و مما زاد الأمر عسرا، أن هذه المؤسسات غير متمكنة من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة…
عدم التمكن من وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مرتعا خصبا للتشكيك…
و الحقيقة… فبجانب الوباء، فنحن نحارب “وباءً معلوماتيًا” شرسا على الأنترنيت… فالبفعل، لم يكن لكل المشككين أثر لو لم توجد منصات التواصل الاجتماعي… فقد أصبح بإمكان أي شخص أن يعطي لنفسه صفة خبير و يذهب في الاتجاه المعاكس… فيربح متعاطفين و يبني قاعدة جماهرية تعتمد دائما على نفس الوصفة… نمزج بين “بعض الحقائق و بعض من الخوف والتكهنات والشائعات”… و نطبخها على نار من “الشكوك المستمرة والفجوات المعرفية”… و نكثر من بهارات ” انعدام اليقين و الخوف من المجهول”… و النتيجة انتشار المعلومات المضللة بشكل أسرع من العدوى… فالكذبة يمكن أن تنتشر حول العالم بينما الحقيقة تلبس حذائها… وبالتالي خلق حالة من عدم الثقة والارتباك بشكل عام…
نعم فكلنا عندما نذهب إلى منصات التواصل الاجتماعي نبحث عن الإثارة و ما هو سلبي “سونساسيونيل”… و لأنها جزء من طبيعة الإنسان… نذهب لاستراق النظر أو الاستراقية كما نفعل مع كل حادثة سير…. نوع من الاهتمام بكل ما هو غير عادي و فيه كثير من الإثارة… فالإثارة توجد فيما هو ضد التيار أو فيما يقع عند الجار… مثير أكثر من يقول أن الفيروس غير موجود… و أكثر من يقول أن اللقاح غير فعال… وأكثر من يقول أنه يقتل… هؤلاء يبحثون عن البوز و اللايك و شغلهم الشاغل أن يكثروا من زيارة مواقعهم… و هناك الكثيرون سامحهم الله ينشرون كل هذا… عن غير دراية أو عن قصد… و يجد كل غير ملقح ضالته رغم اختلاف أشرابهم…
نعم.. فغير الملقحين فئات و شتات… و ليس فئة واحدة…
و هذا ما يفسر صعوبة التواصل معهم… فخلفياتهم كثيرة… و كلما ناقشنا بعض الفئات الغير الملقحة إلا و أظهرت أخرى بأسئلة متباينة مبنية على خلفيات أخرى… و في نقاش هادئ و ممتع مع البروفيسور جلال التوفيق في استضافة الإعلامية فرحانة على أمواج ميدي1 ، تمكنا من تصنيف المترددين إلى فئات عدة حسب خلفياتها…فهناك…
1- التخوف الاستباقي: و هي تمس الأشخاص اللذين يخافون من كل شيء جديد… تخيفهم كل الأمور الجديدة و الغير المفهومة أو التي يصعب استيعابها بسهولة… و هؤلاء يطرحون كثيرا من علامات الاستفهام… و التي تبصم و تؤثر على نفسيتهم… و تخلق عندهم جدلية كبيرة… و تولد عندهم بالتالي فعل المقاومة…. و خير مثال على ذلك، ما خلفه لدى جدودنا، اكتشاف “عود الريح” و السيارات بالمحركات و التلفزيون و الراديو… ما خلقه من رعب و ردة فعل متشنجة لديهم… و ها نحن اليوم لا أحد يشكك في السيارة و منفعتها… و بكونها لا تشكل أي خطرعلى العامة…
2- طابع الاضطهادية: هؤلاء الناس بطبيعتهم ضد كل شيء… ضد الدولة لأنها ضدهم…ضد الادارة… ضد صناع القرار لأنهم ضدهم… بالدارجة “منويين”… لديهم مشكل ثقة مع الجميع… فهم ضد كل شيء… حتى اللقاح اللي كتقولو الدولة… و غير جاو وعطاوه فابور… و علاش زعما فابور…
3- النقص الحاد في النقد: هؤلاء الناس يستهلكون المعلومات بشراهة…أيا كانت خاطئة أم صحيحة… جميع المعلومات و كل المعلومات… و بما أن الحس النقدي متدني لديهم ف”مكيدوروهاش فراسم”… و إذا أضفنا إلى هذا النقص المتأصل، النقص المعرفي بميدان اللقاحات و النقص في تفهم المعلومة العلمية… فحتما فإنهم سيترددون
4- خلفيات إيديولوجية: و نرى هذا كثيرا مع السياسيين… و الذين ينظرون إلى المسألة بمنطق الربح السياسي… فاليمين المتطرف مثلا في الغرب تبنى جميع النظريات التشكيكية… و في المغرب… رانتوما عارفين شكون
في الختام، أظن أن التواصل هو أهم من اللقاح و الدواء في زمن الأزمة الصحية… و رغم كل هذه التحديات، فلن نتوان ونقعد عن التواصل مع الملقحين و غير الملقحين بحول الله… لأننا محتاجون لبعضنا البعض من أجل الخروج من هذه الأزمة…فرغم اختلافنا المؤقت و إلى حين حول موضوع اللقاح … فكل شيء يوحدنا… حب الخير لهذا البلد… المصلحة العامة للوطن… العودة للحياة الطبيعية بسرعة… التقليل من الخسائر البشرية… أن الصحة الجيدة دون رغيف الخبز “ليست بصحة”… كلنا نرنو لعيش كريم كمغاربة… في مغرب أفضل…
و حفظنا الله جميعا