سلطت رسالة مفتوحة من حزب التقدم والاشتراكية، موجهة إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الضوء على النقائص والاختلالات الكثيرة التي تكتنفها، حصيلة نصف الولاية الحكومية، والتي اعتبرت إيجابية وغير مسبوقة.
وأبرز الحزب أن “ما دفعه إلى التوجه بهذه الرسالة، هو أن حكومة عزيز أخنوش، تمادت، بإصرار واستعلاء، أثناء مناقشة هذه الحصيلة، في الادعاءِ بتحقيق كل انتظارات المغاربة، وفي اعتمادِ خطابٍ مفرط في التعبير عن الارتياح والرضى عن الذات، خطاب غابت عنه، بشكل مقلق، الموضوعية، وافتقد إلى التواضع والنقد الذاتي”.
وسجل الحزب في رسالته عشرة اختلالات، معتبرا أنها تبرهن بالدليل الملموس على فشل الحكومة.
1_تجاهل خطير من الحكومة لواقع المشهد السياسي والديموقراطي والحقوقي
واعتبر الحزب أن “الحكومة لم تحقق أي منجز في المشهد السياسي والديموقراطي والحقوقي، وعجَزتْ عن اتخاذ أيّ خطوة لاستعادة ثقة المغاربة في المؤسسات المنتخبة، بل أسهمتْ في مزيدٍ من تردِّي مكانة وصورة الأحزاب السياسية، وتجرأتْ على المساس بمبدأ استقلالية الصحافة، ولم تحرك ساكنا أمام أي تراجع أو مساس بحرية التعبير، وانحسر النقاش العمومي في عهد حكومتكم التي تتفادى، إلى اليوم، نداءاتنا المتكررة لأجل فتح النقاش حول الإصلاح الحقيقي لمنظومة الانتخابات منذُ الآن، بما من شأنه حمايةُ الانتخابات والمؤسسات المنتخبة من الفساد والمفسدين ومن الاستعمال الفاحِش وغير القانوني للمال، وخفضُ معدلات العُزوف، ربما لأنها حكومةٌ لا ترى مصلحةً في هذا الإصلاح، وتُـــراهن على اجتياز امتحان انتخابات 2026 بالوصفة نفسها لسنة 2021”.
2_ تفاقمٌ للبطالة وخاصة في أوساط الشباب
سجل حزب الكتاب، أن الحكومة التزمت مع المغاربة بإحداث مليون منصب شغل في خلال خمس سنوات، لكنها فشلت في ذلك.
حيث، ارتفع معدلُ البطالة بشكل غير مسبوق ليقفز من 12.3% في دجنبر 2021 إلى 13.7% في مارس 2024 (36% في أوساط الشباب) وبلغ عدد العاطلين مليون و645 ألف شخصاً؛ وبَعدَ أن كان عدد الساكنة النشيطة العاملة في دجنبر 2021 هو 10 ملايين و772 ألف شخصاً، فقد نَــــزَلَ هذا الرقمُ في مارس 2024 إلى 10 ملايين و337 ألف شخصاً، بما يعني أن اقتصادنا الوطني فَــــقَـــدَ في زمن حكومتكم 435 ألف منصب شغل؛ وقفز عددُ الشباب الذين يُوجدون خارج فضاءات التعليم والشغل والتكوين إلى 4.3 مليون شابًّا؛ وانخفض معدلُ مشاركة النساء في سوق الشغل إلى 18.3%، بعدما التزمتم برفعه من 20% إلى 30%.
3_ فشل في الأهداف الاقتصادية وفي تحسين مناخ الأعمال
في هذا الاطار أبرز الحزب “المعارض” أن الحكومة التزمت بتحقيق نسبة نمو 4%، لكنها فشلت، ولم تحقق سوى ما بين %1 و%3 على مدى سنتيْ 2022 و2023، وأفلست في عهدها رسميًّا أزيدُ من 27 ألف مقاولة صغرى ومتوسطة، دون احتساب عشراتِ آلاف المقاولات الأخرى التي تختنقُ في صمت، مع تعثر الحكومة في جلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي انخفضت ب 53% في سنة 2023.
كما عجزت عن تحقيق أيِّ تقدمٍ في جعل الاستثمار الخصوصي يُشكِّــــلُ ثُلُثَيْ 3/2 الاستثمار الإجمالي الوطني. ولم تلتز ببلورة التعاقد الوطني حول الاستثمار من أجل تعبئة 550 مليار درهماً من الاستثمارات الخصوصية لإحداث 500 ألف منصب شغل.
إضافة إلى فشلها في جعل الاستثمار العمومي في خدمة العدالة المجالية، حيث لا زالت تتركَّـــزُ 60% من الثروة الوطنية المنتـجة سنويا في ثلاث جهاتٍ فقط.
كما فشلت في تنقية مناخ الأعمال من الممارسات غير المشروعة، إذ تراجعت بلادُنا في مؤشر إدراك الفساد في 2023 ب 3 مراكز إلى المرتبة 180/97 عالميا. وتراجَعَ مؤشرُ الحرية الاقتصادية إلى 56.8 (ما دون المتوسط العالمي الذي هو 58.6)، لتحتل بلادنا بذلك المرتبة 184/101.
وخالفت القانون بعدم إخراج نظام دعم المقاولات الصغرى المنصوص عليه في الميثاق الجديد للاستثمار،ة أما المشاريعُ التي أمطرتم بها الرأي العام بالإعلانات على أنّ لجنة الاستثمارات تصادق عليها، بأغلفة مالية فلكية، فلا نرى لها أيّ تقييم حقيقي وشفاف من حيث مدى الإنجاز الفعلي، كما أنها مشاريعٌ ضعيفة المردودية من حيث خلق مناصب الشغل.
4_ فشل بين في تحقيق السيادة الاقتصادية
في السياق أبرزت رسالة ال”PPS” أن الحكومة التزمت بتحقيق السيادة في مجالات اقتصادية أساسية، لكنها فشلت في ضمان السيادة الصناعية، حيث لا تساهم الصناعة سوى ب 15% من الناتج الداخلي الخام، ونستورد جل حاجياتنا من المواد المصنعة.
والتزمتِ الحكومةُ بتوفير السيادة الغذائية، لكن أدت اختياراتُها في السياسة الفلاحية إلى تصدير الماء عمليًّا، الذي توجد بلادُنا في أمسِّ الحاجة إليه، في مقابل استيراد الحبوب واللحوم والقطاني، وإلى إغناء كبار الفلاحين في مقابل تدمير الفلاحة الصغرى، وإقصاء العالَم القروي من التنمية، وقهر الفلاح الصغير.
ورغم المجهود الكبير المبذول على مستوى الأمن المائي، إلا أن الحكومة مستمرة، من خلال اختياراتها المتعلقة بالسياسة الفلاحية، في الاستعمال السيئ وغير الـــمـُـــعقلن لما يزيد عن 80% من مواردنا المائية الوطنية، وفي استنزاف الفرشات المائية، دون استعدادٍ لإعادة النظر وتغيير المسار.
كما فشلت الحكومة في تحقيق السيادة الطاقية، حيث نستورد معظم حاجاتنا الطاقية، بفاتورةٍ تُـــنهك اقتصادَنا الوطني، في غيابِ أيِّ إرادةٍ سياسية أو إجراءٍ عملي لحل إشكالية المصفاة الوحيدة لا سامير وإعادة تشغيلها، بالنظر إلى أدوارها في التخزين والتكرير.
كما فشلت حكومتكم في الحد من الاقتراض المفرط، حيث وصلت نسبة الدين العمومي 86% من الناتج الداخلي الخام.
وفشلت الحكومة أيضاً في التحكم الحقيقي بعجز الميزانية، اللَّــــهُــمَّ من خلال التفافٍ حساباتي يقوم على إدراج موارد الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، وأرقامِ “التمويلات المبتكرة” التي هي موارد مؤقتة لا تتسم بطابع الاستدامة والبنيوية والشفافية.
5_ عجز عن مواجهة غلاء الأسعار وعن إيقاف تدهور مستوى معيشة الأسر المغربية
وزادت الرسالة أن الحكومة قد التزمت بمواجهة الظرفية المتسمة بغلاءٍ غير مسبوق لكل أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات، والتزمت بدعم القدرة الشرائية للأسر المغربية، وتوسيع دائرة الطبقة المتوسطة، لكنها فشلت في ذلك.
فتأكد، في زمن حكومة أخنوش، انزلاق حواليْ 3.2 مليون مواطناً نحو دائرة الفقر والهشاشة.
وتدَّعي حكومتُكُم خفضَ معدل التضخم إلى 0.3%، متناسية أنه بلغ على امتداد سنتيْن مستوياتٍ قياسية من رقميْن بالنسبة للمواد الاستهلاكية الأساسية، ولم تعد أبداً أسعار هذه المواد إلى سابق عهدها (مثلاً أسعار اللحوم الحمراء ارتفعت اليوم إلى ما بين 100 و140 درهماً، وأسعار الغازوال والبنزين تتأرجح ما بين 13 إلى 16 درهماً).
وأغنَتْ حكومتُكُم، بملايير الدراهم من المال العام، أرباب النقل ومستوردي الأبقار والأغنام، على حساب المواطنين المستضعفين، دون تسقيفٍ لأسعار المواد والخدمات المدعَّمَة، ودون أن ينعكسَ ذلك الدعمُ الانتقائيُّ إيجاباً على المواطنات والمواطنين الذين أفاد 82.5% منهم بتدهور مستوى معيشتهم خلال العام الماضي، و90.4% لا يثقون في قدرة حكومتكم على تحسينه خلال العام الجاري.
كما سمحت الحكومةُ بأن تُواصِلَ شركاتُ المحروقاتِ ممارسة التواطؤات، في استنزافٍ لجيوب المواطنين ومراكمةٍ للأرباحٍ الخيالية، على الرغم من قرارات مجلس المنافسة على عِلاَّتِها. وعجزتْ عن مكافحة المضاربات وتَضارُبَ المصالح، ورفضتْ اتخاذ أيِّ إجراءٍ لتسقيف أسعار الغازوال والبنزين، أو تخفيض هوامش الربح، أو الرفع من الضرائب المفروضة على قطاع المحروقات إلى 40%. وهي كلها تدابير يتيحها لكم القانون.
أما الزيادة في الأجور، فرغم كونها إيجابية، إلا أنها لا تُـــخَــــوِّلُـــكُم كل هذا الانشراح المفرط، طالما أنها زياداتٌ لا تُساوي فارق التضخم وغلاء المعيشة، ناهيكم على أنها جاءت مقرونةً بمنطق المقايضة الذي يُـــثير تخوفاتٍ جدية حول الحقوق النقابية وحول كلفة إصلاح منظومة التقاعد على الأُجَــــرَاء.
6_ فشل في التعميم الفعلي والعادل لورش التغطية الصحية
واعتبر الحزب أن الكومة التزمت بالتعميم الفعلي للتغطية الصحية، لكنها فشلت في ذلك، حيث أقصت الحكومةُ 8 ملايين مواطنا مُستضعفاً من مجانية الانخراط، وذلك بمعايير وعتبة مجحفة تفرض عليهم الأداء وهم غيرُ قادرين عليه، إلى درجة تجاهلكم تماماً لوجود هؤلاء الملايين من المغاربة.
أما المسجلون فيواجهون صعوباتٍ حقيقية في الولوج الفعلي والمتكافئ للخدمات الصحية، كما عجزتْ عن خلق جاذبية الخدمة الصحية وجودتها، لضمان اشتراك المهنيين المستقلين، حيث لا يتجاوز عدد من أقبلوا منهم على التسجيل 13%، ولم تُحَصِّلوا سوى 27% من إجمالي الاشتراكات المفترَضة، بما يهدد في العمق استدامة تمويل ورش التغطية الصحية.
وعوض أن تؤسس الحكومةُ عملها على الارتقاء بالمستشفى العمومي، فقد جعلتْ من القطاع الصحي الخصوصي هو المستفيد الأول من صناديق التغطية الصحية، بنسبة تناهز 75% حسب أرقامِ حكومتكم، وأزيد من 90% حسب مصادر أخرى، بما يؤكد توجهات الحكومة المنتصرة للوبيات المال.
7_ عجز عن إعمال العدالة في الدعم الاجتماعي المباشر
في هذا الشأن أبرزت الرسالة أن الحكومة لم تلتف حول هذا الورش، بحرمان ملايين المستضعفين من هذا الدعم، من خلال إعمال معايير وعتبة إقصائية، فقط لخفض الكلفة.
وأوقفت صرف هذا الدعم عن عدد من الأسر شهورا قليلة بعد انطلاق الورش، هذا مع العلم أن الحكومة ألغت أيضًا برامج اجتماعية سابقة (تيسير، دعم الأرامل، مليون محفظة، التماسك الاجتماعي…)، وأنَّ ما تقدمه الحكومة من دعمٍ مباشر لا يرقى إلى مستوى ما وعدت به من مدخولٍ للكرامة بالنسبة للمسنين، الوارد في البرنامج الحكومي.
8_ تعثرات مؤكدة في برنامج دعم اقتناء السكن
وبخصوص الدعم المباشر لاقتناء السكن، الذي نسانده مبدئيا، فبالإضافة إلى الفرق الكبير بين الأرقام المعلنة (110 ألف أسرة سنويا بكلفة 9.5 مليار درهماً سنويا) وبين ما هو منجزٌ فعلاً إلى حد الآن (60 ألف طلب فقط، وتصفية ما يكافئ 600 مليون درهماً فقط من كلفة الملفات المعالجة)؛
فإنه توجد تدابير ضرورية لم تتخذوها كحكومة لتحقيق الهدف، وأساساً محاربة ظاهرة الأداء غير المصرح به “النوار”، وضمان إقبال المنعشين العقاريين على إنتاج ما يلزم من عرض سكني، وخاصة السكن الاجتماعي، وتحريك الآليات والمبادرات العمومية لتوفير هذا الصنف من السكن.
وفي غياب ذلك، فإن هذا الوضع يُلزِمُ الحكومةَ باتخاذ التدابير الضرورية لتحويل هذا الإجراء إلى نجاحٍ فعلي يُلبِّي حجم الانتظارات، على أساس التكافؤ الاجتماعي والمجالي.
9_ الحاجة ملحّة لإحداث قانون تمويل الحماية الاجتماعية
وقال الحزب أيضا، “باستحضار ما صرحت به حكومتُكُم من تخصيصٍ لزهاء 50 مليار درهماً سنوياًّ للتغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر ودعم السكن، على المدى القريب، وبالنظر إلى ما سجلناه من ثغراتٍ كبرى في التفعيل، ومن إقصاءٍ لملايين الأسر المستحقة للاستفادة من كل أو بعض مكونات الحماية الاجتماعية، فإن حزبَ التقدم والاشتراكية يُطالبُ حكومتكم بإحداث “قانون تمويل الحماية الاجتماعية”.
وذلك لأجل ضمان الاستدامة والشفافية، وحتى تتضح للعموم، بجلاء، المبالغ المالية التي ستصرف فعليا بهذا الشأن، ولأجل أن تبرهن الحكومةُ على أنها ليست بصدد إعلانات مضخمة تخلق انتظاراتٍ عريضة، وتُفضي في نهاية المطافِ إلى خيبة أمل شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين.
10_ إصلاحات أساسية غائبة عن الحصيلة
إلى جانب كل إخفاقات التي عددتها الرسالة، سجل الحزب أن الحكومة لم تباشر أيضا الإصلاح الجبائي الشامل والعادل، بما فيه مواجهة التملص والتهرب الضريبيين، وتقييم ومراجعة الامتيازات الضريبية.
وفشلت الحكومةُ في إدماج القطاع الاقتصادي غير المهيكل الذي يشكل نحو 30% من الناتج الداخلي الخام، من خلال الإدماج التحفيزي للقطاع غير المهيكل المعيشي من جهة، ومحاربة مكوناته المُضِرّة بالاقتصاد الوطني والنسيج المقاولاتي، من جهة ثانية.
وعجزتْ عن إصلاح صندوق المقاصة في اتجاه الاستفادة الحصرية للمحتاجين إلى الدعم، ولم تشرعْ بعدُ في إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، ولا في إصلاح صناديق التقاعد، أما التحول الإيكولوجي والاقتصاد الأخضر فيظلان خطاباً بلا تدابير حقيقية.